الفوسفات.. ورقة الجزائر الاستراتيجية الجديدة لتنويع الاقتصاد
تواصل الجزائر خطواتها لتعزيز التحول الاقتصادي من خلال استثمار ثرواتها المنجمية غير المستغلة، وعلى رأسها الفوسفات، الذي بات يشكل خياراً استراتيجياً بديلاً عن الاعتماد التقليدي على عائدات المحروقات.
وحسب تقارير حديثة، تملك الجزائر احتياطات ضخمة من الفوسفات تجعلها من بين الدول الأكثر غنى بهذا المورد إقليمياً وعالمياً، ما يفتح أمامها آفاقاً واسعة لتعزيز مكانتها في السوق العالمية لهذه المادة الحيوية، التي تلعب دوراً محورياً في الصناعات الزراعية والغذائية.
احتياطي ضخم وفرص واعدة
تشير بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إلى أن احتياطي الجزائر من الفوسفات يُقدَّر بـ2.2 مليار طن، أي ما يعادل 2.97% من الاحتياطي العالمي، لتحتل بذلك المرتبة الرابعة عربياً والسادسة عالمياً.
ووفق أرقام وحدة أبحاث الطاقة، فإن 7 دول عربية، بينها الجزائر، تمتلك مجتمعة 81% من احتياطي الفوسفات العالمي، ما يعكس ثقل المنطقة في هذا المورد الاستراتيجي.
وقد بلغ إنتاج الجزائر من الفوسفات في عام 2024 حوالي مليوني طن، وهو ما يُعد بداية فعلية لاستغلال هذه الثروة، التي بقيت لعقود طويلة خارج دائرة الاستثمار الفعّال، رغم أن تاريخ استخراجها في البلاد يعود إلى عام 1894 انطلاقاً من منجم جبل عنق.
رؤية وطنية لتثمين الموارد المنجمية
في هذا الإطار، أكد وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب، أن الجزائر شرعت في تنفيذ برنامج وطني واسع لتثمين الثروات المنجمية، مشيراً إلى أن القطاع يمثل “رهاناً استراتيجياً لدعم التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل الوطني”.
ووفق تقديرات رسمية، لم تستغل الجزائر سوى 10% فقط من مواردها المنجمية، ما يشير إلى هامش واسع للاستثمار والنمو في هذا القطاع الحيوي.
وتضم الجزائر تنوعاً كبيراً في مواردها الطبيعية، من بينها الحديد، الزنك، الذهب، إلى جانب الفوسفات، ما يجعلها مرشحة لتكون قطباً معدنيًا إقليميًا في المستقبل القريب.
مشروع جبل عنق.. حجر الزاوية
يبرز مشروع جبل عنق للفوسفات كأحد أهم المشاريع المنجمية الوطنية، إذ يغطي ولايات تبسة، سوق أهراس، سكيكدة وعنابة.
ويُقدَّر احتياطي هذا المشروع بـ2.8 مليار طن، ويهدف لإنتاج 10 ملايين طن من الفوسفات الخام و6 ملايين طن من المركزات سنويًا.
ويُعد هذا المشروع محوراً أساسياً في خطة الفوسفات المدمج، التي ترمي إلى تحويل شرق الجزائر إلى قطب صناعي ومنجمي بامتياز. وقد قُدّرت قيمة الاستثمارات فيه بنحو 7 مليارات دولار، ضمن شراكة جزائرية-صينية، مع توقعات بخلق 18 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر.
نحو اقتصاد متنوع ومستدام
تراهن الجزائر، من خلال هذه المشاريع الطموحة، على إعادة تشكيل نموذجها الاقتصادي بعيداً عن الاعتماد الأحادي على النفط والغاز، مستفيدة من مقدراتها الطبيعية التي كانت لسنوات طويلة مهمّشة.
ويُعد الفوسفات اليوم أحد أهم الأوراق الاستراتيجية التي تعتمد عليها الجزائر لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، في ظل تزايد الطلب العالمي على الأسمدة ومشتقات الفوسفات، وتغير موازين السوق العالمية للموارد الطبيعية.