إشراف رئيس الجمهورية على إصلاح منظومة التجارة الخارجية يعكس إرادة سياسية لترسيخ الشفافية والحوكمة
في خطوة وصفها خبراء اقتصاديون بالاستراتيجية والمفصلية، حيث أكدوا أن قرار رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بالإشراف الشخصي على إنشاء هيئتين وطنيتين لتنظيم وتسيير عمليات التصدير والاستيراد، يمثل تجسيداً واضحاً لإرادة سياسية قوية نحو إرساء قواعد الشفافية والانضباط في التجارة الخارجية.
ويأتي هذا القرار، الذي سيتم تفعيله من خلال اجتماع وزاري مصغر مرتقب في الأيام القليلة المقبلة، استكمالاً لمسار إصلاحي يعكس رغبة الدولة في إحداث قطيعة مع الممارسات السابقة التي شابت منظومة التجارة الخارجية.
وفي تصريحات أدلوا بها لوكالة الأنباء الجزائرية اعتبر الخبراء أن إنشاء هاتين الهيئتين يشكل تحولا عميقاً في حوكمة التجارة الخارجية، من خلال تشخيص دقيق للاختلالات القائمة، وبلورة أطر تنظيمية تتماشى مع المعايير الدولية وتخدم الأولويات الاقتصادية الوطنية.
تحول استراتيجي يدعم الإنتاج الوطني
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور إسحاق خرشي، مدير المدرسة العليا للتجارة، أن قرار رئيس الجمهورية يحمل بعداً استراتيجياً بعيد المدى، كونه يؤسس لمنظومة قانونية مرنة ومستدامة، قادرة على مواكبة تحديات الاقتصاد الوطني لعقود مقبلة.
وأشار خرشي إلى أن الهيئتين المزمع إنشاؤهما ستساهمان في دعم الإنتاج الوطني وضبط عمليات الاستيراد وفقاً لأولويات الاقتصاد، مما يتيح حماية السوق المحلية من المنتجات الرديئة وغير المطابقة، ويكرس منافسة نزيهة بين المتعاملين الجادين.
كما أكد أن هذه الخطوة تمثل مرحلة حاسمة في اتجاه تحقيق التوازن في الميزان التجاري وتنشيط بيئة الاستثمار، لاسيما من خلال آليات جديدة مثل “تعاونيات الشراء الجماعي”، وتعزيز التنسيق بين الهيئات المعنية عبر مقاربة تشاركية تعتمد على رقابة ذكية وبيانات دقيقة.
ثورة تنظيمية لتعزيز السيادة الاقتصادية
من جهته، وصف الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني إشراف رئيس الجمهورية المباشر على الملف بـ”الثورة التنظيمية”، مؤكداً أن هذا المسعى يؤسس لمرحلة جديدة من الشفافية والانضباط، ويوفر ضمانات قوية لبناء منظومة اقتصادية متماسكة تدعم السيادة الاقتصادية الوطنية.
وأوضح سليماني أن الإصلاحات المرتقبة ستسهم في رفع نسب الإدماج المحلي، خاصة من خلال توسيع استيراد المواد الأولية والتكنولوجية التي لا تتوفر محلياً، بما يعزز توجه الدولة نحو اقتصاد متنوع لا يعتمد على المحروقات كمصدر رئيسي للعائدات.
كما دعا إلى إنشاء مرجعية قانونية مرنة وقابلة للتحديث، إلى جانب منصة رقمية موحدة تتيح للمتعاملين متابعة ملفاتهم إلكترونياً، مما يسرع الإجراءات ويكرس الشفافية والتكامل بين مختلف المصالح المعنية.
رؤية إصلاحية متكاملة
وكان رئيس الجمهورية قد أمر، خلال ترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء يوم الأحد، بضرورة إثراء النصوص القانونية المؤطرة لإنشاء الهيئتين الوطنيتين، مع تأجيل عرض المشروع لمزيد من التدقيق والضبط، بما يضمن استدامته وتوافقه مع المعايير الدولية.
وأكد بيان مجلس الوزراء أن إشراف الرئيس تبون المباشر على إنشاء الهيئتين يهدف إلى القطع مع الانحرافات السابقة التي مست بعض الجهات المكلفة بالتجارة الخارجية، كما شدد على ضرورة وضع مواصفات دقيقة للمستوردين والمصدرين، تراعي خصوصية الإنتاج الوطني وتضمن سيادة القرار الاقتصادي الوطني.
بهذا التوجه، تدخل الجزائر مرحلة جديدة من الإصلاحات الهيكلية في مجال التجارة الخارجية، تحت إشراف أعلى سلطة في البلاد، في خطوة تؤكد التزام الدولة ببناء اقتصاد عصري، متنوع وشفاف.